2014/02/25

سلطنة عبد الحميد بن احمد

سلطنة عبد الحميد بن احمد 
 الدولة العثمانية وفي تلك السنة تولى الخلافة العثمانية السلطان عبد الحميد بن أحمد عوضًا من السلطان مصطفى الثالث. وبوفاة علي بك عاد وادي النيل إلى ما كان عليهِ قبلهُ تابعًا لأملاك الدولة العلية وعادت أحكامهُ إلى مشايخ البلد والكشاف الذين جعلوا تلك المصالح وسيلة لاختلاس أموال الناس وحقوق الدولة، وكان علي بك قد جعل لكل هذه المظالم حدٍّا وأصلح الشئون حتى علقت الآمال باعتزاز مصر ورفع شأنها أما المنيَّة فلم تبق عليهِ. نعم إن مصر بعد وفاتهِ عادت إلى كنف الدولة العلية لكنها بالحقيقة لم تفدها شيئًَا لأنها كانت في الحالة الأولى طعمة لرجل محبٌ للإصلاح مخلص بمقاصدهِ وإن كانت بمعزل عن صوالج الدولة،
وفي الثانية أصبحت طعمة لثلاثين رجلًا كلٌّ منهم يسعى إلى ابتلاعها لا يتفقون إلاَّ على كره الدولة التي هم تحت حمايتها. أما السلطان عبد الحميد فلم يكن يرسل إليها من الولاة إلاَّ من كان اسمًا بلا رسم كما كان شأنهم قبل ظهور عليّ، فكان الباشا من هؤلاءِ آلة يديرها البكوات كيف شاءُوا ولم يكن لديهِ من الأعمال إلَّا مخابرة القسطنطينية مخابرات سرية فيما كان يقع بين هؤلاءِ البكوات من الخلاف وما كانوا يتداعون إليه من الخصام، وواجباتهُ المهمة أن يستلم من الحكومة المصرية الجزية ويرسلها إلى الأستانة هذا إذا تمكن من قبضها. فلم تكن ولاية مصر إلاَّ مأمورية يستعيب بها المأمور بتأديتها فكانوا يعتبرونها بمثابة منفى قد استحقهُ الباشا أو الوزير الذي يرسل إليها لأنهُ كان يعلم قبل خروجهِ من الأستانة أنهُ إذا لم يكن راضيًا بما يرضاهُ شيخ البلد لا يلبث أن يصلهُ منهً رسالة ينقلها ناقلٌ يقال لهُ الأوطة باشي، وفيها الأمر بعزلهِ أمرًا لا مردَّ لهُ ولا مجال للمدافعة بعدهُ. وكيفية ذلك أن شيخ البلد ورجالهُ إذا رأوا في تصرف الباشا ما يوجب الشك يجتمعون اجتماعًا عموميٍّا في الديوان ويقررون عزلهُ ويكتبون بذلك أمرًا عاليًا يسلمونهُ إلى الأوطه باشي ليوصلهُ إلى الباشا فيحملهُ ويسير منفردًا على حمار (لأن القانون لايسمح لهُ بركوب الخيل أو البغال) بين يديهِ فرمان العزل، فإذا مرَّ في الأسواق على هذه الصورة علم الناس أنهُ ساع إلى أمر مهمّ فيهِ عزلٌ فيهرولون وراءَهً. ولا يزال سائرًا في عرض الطرق قائدًا لتلك المواكب نحو القلعة. وكان من واجبات أي جندي صادفهُ في تلك الحال أن يرافقهُ اتقاءَ مما يخشى حدوثهُ عند وصول القلعة. فإذا وصل القلعة يدخل على الباشا ثم يجثو أمامهُ بكل وقار، لكنهُ عندما ينهض يطوي السجادة وعند طىّ السجادة والتلفظ « انزل يا باشا » : التي كان جاثيًا عليها وينادي بأعلى صوتهِ بهذه العبارة تسقط كل حقوق ذلك الباشا ولا يعود لهُ أقلُّ سلطة على الجنود التي كانت قبل بضع دقائق تنتظر إشارتهُ وتصير تحت أوامر الأوطه باشي. والباشا يقف ممتثلًا يسمع تلاوة الفرمان سواء كان منطوقهُ بعزلهِ أو قتلهِ فلا يسعهُ إلا الطاعة التامة. وعلى مثل ذلك كانت معاملة باشوات مصر فإنهم كانوا عرضة لأوامر العزل التي إذا لم تكن من الأستانة تكون من مصر. فلما مات علي بك اختلف أعداؤُهُ في القاهرة على الاجتزاء من انتصاراتهم فكان كل منهم يظن لنفسهِ الحق بالتمتع بأثمار الانتصار كغيرهِ أو أكثر فاختلفت الأحزاب من بينهم. أما من بقي من رجال علي فلم يجدوا مكانًا فيهِ راحة لهم فقد كانوا في عكا عند الشيخ ضاهر على ما تقدم فلم يكن من أبي الذهب إلا أنهُ تعقبهم لأنهُ كان رجلًا محبٍّا للانتقام حبٍّا يفوق التصديق، وقد آلى على نفسهِ ألا يبقي على أحد من رجال علي. أما الشيخ ضاهر أمير عكا فلم يعد يطيب لهُ السكون بعد أن خسر ابنهُ في سبيل نصرة على بك فثارت في خاطرهِ دواعي الانتقام. ولكن محمد بك أبا الذهب لم يكن أقل رغبة في الانتقام منهُ، ولما لم يعد يستطيع صبرًا على ذلك استرحم من الباب العالي أن يؤذن لهُ بالمسير إلى محاربة سوريا وعلى الخصوص عكا وأوقع في أميرها الشيخ ضاهر فاتَّهمهُ بالعصيان وأنهُ ساع بدسائس ضدّ الدولة. فأجاب الباب العالي بفرمان يثبتهُ في مشيخة البلد مع لقب باشا ورتبة والي القاهرة مكافأة لما أتاه من الإيقاع بعلي وأحزابهِ وصرَّح لهُ أن يتتبع ذلك الشيخ العاصي. فلما وصل الفرمان إلى أبي الذهب كاد يطير من شدة الفرح وأعدَّ جيشًا جعلهُ تحت قيادتهِ الشخصية مستخلفًا في مصر إسماعيل بك بصفتهِ قائمقام وعهد حكومة مدينة القاهرة إلى إبراهيم بك. ثم سار في جيشهِ إلى سوريا ولم تنتهِ سنة ١١٨٩ ه حتى دخل فلسطين. وكان لشدة عجبهِ بما أوتيهِ من الألقاب والرتب وما وُعد بهِ من المساعدات من قبل الباب العالي لا يزيد إلاَّ كبرًا حتى جعل خيمتهُ التي كان يقيم فيها أوقات الراحة من أثمن ما يمكن مزينةً بأبدع ما يكون. فمرَّ بخان يونس فغزَّة فالرملة ولم يصادف أقل مقاومة. أما يافا فكان عليها الشيخ كريم صهر الشيخ ضاهر فدافعت قليلًا ثم فُتحت عنوة فدخلتها رجال أبي الذهب بالقتل والنهب حتي قتلوا القسم الأعظم من سكانها من رجال ونساء وشيوخ وأطفال. فبلغت تلك الفواحش مسامع الشيخ ضاهر وهو في عكا فخاف أن يصيبهُ ما أصابها ففرَّ بعائلتهِ وبمن هم لديهِ من المهاجرين المصريين ولم يترك في المدينة إلَّا ابنهُ الشيخ علي. وهذا لما علم باقتراب جيوش أبي الذهب أخلى القلعة وانسحب منها لعلمهِ أنهُ إذا حاول الدفاع إنما يكون محاولًا عبثًا. فوصلها أبو الذهب وأبوابها مفتوحة فدخلها ولم يبق عليها ومثل ذلك فعل بقرى أخرى من فلسطين والى هذه المدينة وفيها انتهت ارتكابات هذا الرجل لأنهُ بينما كان عازمًا على العود إلى مصر أصبح القوم فوجدوهُ ميتًا في خيمتهِ ولم يستطيعوا معرفة القاتل رغمًا عما اتخذوهُ من الاحتياطات وما كان لديهم من القرائن الكثيرة. فقال بعضهم إنهُ أصيب بنقطة وهو داء السكتة وقال آخرون لا بل مات مقتولًا بيد عدوّ فاتك ولله أعلم. وبعد موت أبي الذهب عادت الجيوش المصرية تحت قيادة مراد بك إلى مصر ومعهم جثة رئيسهم فدفنوها بالقرب .« بالخائن » من مدفن علي بك. فقد مات أبو الذهب بعد موت علي بك بسنتين ولقب وتولى مشيخة البلد بعدهُ إسماعيل بك رغمًا عن ادعاءَات مراد بك وإبراهيم بك ولم يبق غيرهُ من طائفة إبراهيم كخيا وهو من الذين نالوا رتبة البكوية بواسطة علي بك وكان لا يزال على دعوتهِ ولكنهُ انضم إلى أبي الذهب خوفًا. أما قلبهُ فلم يفتر لاهجًا بالمدافعة عن رئيسهِ الذي لم يأت نحوهُ إلَّا كل ما يستدعي انتصارهُ لهُ فضلًا عن أنهما من طائفة واحدة. فلما استلم زمام الأحكام عمل على اتباع خطوات علي بك فبعث إلى الذين كانوا لا يزالون من حزبهِ في سوريا واستدعاهم إليه وأقرَّهم في أماكنهم وطيب خاطرهم كل ذلك استعدادًا لمقاومة مناظريهِ مراد وإبراهيم. وكانا قد اتحدا معًا قلبًا واحدًا على خلع إسماعيل بك فباشرا أولًا يطلبان طرد حسن بك الجداوي صديق إسماعيل بك فلم يفوزا إلا أنهما تمكَّنا من احتلال القلعة، فاتحد إسماعيل بك وحسن بك وأخرجاهما منها ففرَّا إلى الصعيد. وبعد يسير جمع المنهزمان حزبًا كبيرًا واستعدَّا لدفاع إسماعيل فبعث جيوشًا لتخمد أنفاسهما فعادت الجيوش على أعقابها وفاز الأميران فاضطر إسماعيل بك إلى مبارحة القطر المصري فسار إلى الأستانة. أما حسن بك فقُبض عليهِ وسيق إلى جدَّة منفيًَا فتمكن أثناء الطريق من إرضاء رئيس المركب الذي نقلهُ فأنزلهُ في القصير على سواحل القلزم ومن هناك قطع الصحراء غربًا حتى أتى الصعيد فاستكنَّ في أعلاه. فلما خلا الجو لمراد بك وإبراهيم بك اقتسما الأحكام فتعيَّن الأول أميرًا للحج والثاني شيخًا للبلد ورقَّيا كثيرًا من مماليكهم إلى رتبة البكوية وقلداهم مصالح البلاد، وكانت الأحكام في عهدهما كما كانت في أيام أسلافهما من المظالم والاستبداد. وبلغهما بعد مدة أن إسماعيل بك عاد من الأستانة وأنهُ جاء إلى حلوان فبعثا إليه فرقة من المماليك فتكت بكل ما كان معهُ من عائلتهِ ورجالهِ فتمكن من النجاة باختبائهِ في بعض الكهوف ثلاثة أيام. ثم سار منهُ طالبًا الشلال وهناك اجتمع بصديقهِ حسن بك الجداوي وسارا معًا وأَويا إلى شلال الجنادل في السودان. فاختلف مراد بك وإبراهيم بك على إرسال حملة للقبض على الهاربين فارتأَى أحدهما وجوب التجنيد وخالفهُ الآخر حتى آل الأمر إلى الخصام وخروج إبراهيم بك من القاهرة وانسحابهِ إلى المنيا في الصعيد مغتاظًا. فأرسل إليه مراد بك بعض الاختيارية يسكنون من جأشهِ ما استطاعوا فأرضوهُ واعادوهُ إلى مركزهِ في القاهرة. إلاَّ أن العلاقات الودية ما انفكَّت متكدرة بين الاثنين ولم تمضِ مدة حتى انسحب مراد بك إلى المنيا مغتاظًا من زميلهِ لعلمهِ باتحادهِ مع خمسة من بيت عدوّهما القديم وهم البكوات عثمان الشرقاوي وأيوب الصغير وسليمان وإبراهيم الصغير ومصطفى الصغير. ولبث مراد بك بعيدًا من القاهرة خمسة أشهر وكان يظن إبراهيم بك أنهُ لا يلبث أن يسكن جأشهُ حتى يعود إليه فلما استبطأهُ أرسل إليه الاختيارية كما فعل ذاك معهُ. فأبى مراد بك وردَّ الاختيارية خائبين. ثم جند جندًا من أتباعهِ المماليك وسار نازلًا على الضفة الغربية للنيل حتى أتى الجيزة مقابل مصر القديمة وعسكر هناك. ثم همَّ إلى قطع النيل فعلم إبراهيم بك بذلك فجنَّد في الجهة المقابلة على البر الشرقي ليمنعهُ من المرور ولبث الجانبان على تلك الحال ثمانية عشر يومًا لا يهمَّان إلا إلى إطلاق مدفع أو مدفعين على سبيل المناوشة ولم يقتل إلا رجل وفرس. فملَّ مراد بك من تلك الحال فعاد إلى المنيا بمن كان معهُ. أما إبراهيم بك فكان كثير الرغبة في مصالحة زميلهِ فأنفذ إليه بعد خمسة أشهر من انسحابهِ وفدًا ثانيًا من كبار البلد ومشايخها يطلبون إليه الرجوع إلى القاهرة فوافقهم لكنهُ اشترط عليهم أن يسلموهُ الخمسة بكوات المتقدم ذكرهم حال وصولهِ إلى القاهرة. فقبلوا بذلك الشرط فنزل معهم فعلم أولئك البكوات بإعلام سري من إبراهيم بك بما اشترطهُ مراد بك فخرجوا من القاهرة لجهة القليوبية على نية الشخوص إلى الصعيد عن طريق الأهرام، فاتصل ذلك بمراد بك فجعل عند الجسر الأسود بالقرب من الأهرام زمرة من العربان تترصد مرورهم لكنهُ لم يستطع صبرًا على ذلك فقطع النيل ببعض رجالهِ فالتقى بالمنهزمين عند رأس الخليج فتلاحموا فجرح مراد بك ونجا أولئك، فلاقاهم العربان عند الجسر الأسود فأسروهم وجاءوا بهم إلى مراد بك فلم يسعهُ لشدة غيظهِ إلا نفيهم إلى المنصورة وفرسكور ودمياط تفريقًا لكلمتهم، لكنهم لم يلبثوا إلا مدة يسيرة حتى اجتمعوا في غاية سنة ١١٩٧ ه واتفقوا أن يفرُّوا إلى الصعيد ويجمعوا إليهم عصبة يقاومون بها عدوَّهم، لكنهم لم يباشروا ذلك حتى تداخل شيخ الجامع الأزهر في أمرهم واستحصل لهم على العفو من مراد بك فصفح عنهم وأعادهم إلى القاهرة بكل إكرام وأعاد إليهم رتبهم وامتيازاتهم. ثم مضىبعد ذلك ثلاث سنوات على إبراهيم بك ومراد بك وهما على وفاق وسكينة يقتسمان إيرادات البلاد فيما بينهما بالسواء لا يقدمون عنها حسابًا أو إذا قدموهُ لا يكون إلا حبرًا على ورق. فوشى بهما محمد باشا وكان واليًا على مصر إذ ذاك إلى السلطان وبما هما فيهِ من الاستقلال بمالية البلاد، فأمر السلطان عبد الحميد سنة ١١٩٩ ه أن يُرْسَل إلى مصر جيشٌ لإيقافهما عند حدهما فسار الجيش في عمارة تحت قيادة قبطان باشا حسن فوصلوا الإسكندرية في ٢٥ شعبان سنة ١٢٠٠ ه فخاف البكوات خوفًا شديدًا واجتمعوا اجتماعًا عموميٍّا في الديوان وتباحثوا فيما يجب إجراؤهُ. ونظرًا لكثرة اللغط واختلاف المقاصد والآراء لم يقرُّوا على شيء وأخيرًا ارتأوا طلب تداخل محمد باشا ولما عرضوا عليهِ رأيهم رفض. فطلبوا من الشيخ أحمد العريشي شيخ الجامع الأزهر والشيخ محمد المهدي كاتم السر باش كاتب الديوان الخصوصي وغيرهم أن يسيروا إلى رشيد ويستعطفوا القبطان باشا. يكتبهُ بيدهِ. فركبوا من بولاق في زورق متقن وما زالوا حتى بلغوا رشيد فلاقاهم القبطان باشا بما يليق من الاحترام. أما هم فلعلمهم أن الأميرين إبراهيم ومراد لا يثبتان على رأي فربما طلبوا لهما العفو فحصلوا عليهِ ثم نكث ذانك فتكون الملامة عليهم. فقال الشيخ «. يا مولانا إن رعية مصر قوم ضعفاء وبيوت الأمراء مختلطة ببيوت الناس » : العروسي إن » : لا تخشوا بأسًا فإن أول ما أوصاني بهِ مولانا السلطان هو قولهُ الرعية وداعة لله عندي وأنا أستودعك ما أودعنيهِ لله تعالى كيف ترضون أن يملككم مملوكان كافران يسومانكم سوء العذاب لماذا لا » : ثم قال لهم يا سلطان هؤلاء عصبة شديدو البأس » : فأجابهُ أحدهم بقولهِ «. تخرجونهما من بلادكم فطيب خاطرهم ووعدهم بالحماية. وبالحقيقة إن هذا الوفد قد «. لا نقوى على دفعهم تصرف بالحكمة لأنهم لم يكادوا يخرجون من حضرة القبطان حتى سمعوا بقدوم مراد بك ومعهُ عشرة من البكوات وعدد من الكشاف والمماليك. ثم شاع أنهم نزلوا في الرحمانية عند منشاءِ الترعة المحمودية الإسكندرانية. وسبب ذلك ان مراد بك بعد ما أرسل ذلك الوفد خطر لهُ الدفاع بالسيف فجمع إليه ذوي شواره وفاوضهم فأقروا على وجوب الدفاع وأن يسير مراد لذلك ويبقى إبراهيم للمحافظة على القاهرة. فسار مراد بمن معهُ ونزلوا في الرحمانية كما قدمنا فلاقتهم الجنود العثمانية الظافرة وحصلت بينهما موقعة لم تطل إلا يسيرًا فانذعرت جنود المماليك من قنابل العثمانيين التي كانت تتفرقع بين أرجل خيلهم فشتت شملهم وفاز العثمانيون ففرَّ مراد بك ومن معهُ حتى أتوا القاهرة، فاجتمعوا بإبراهيم بك وفرُّوا جميعًا إلى الصعيد ولبثوا هناك ينتظرون هجمات العثمانيين. فلما رأى محمد باشا الوالي خلو القاهرة من المماليك جمع إليه الوجاقات ونزل بمعيتهم من القلعة استعدادًا لاستقبال الجنود العثمانية. ففي ٥ شوال سنة ١٢٠٠ ه دخل حسن باشا القاهرة بعد أن خربت جيوشهُ ونهبوا كل ما مروا بهِ من المدن والقرى ولولاهُ لم يبقوا على شيء أَصلًا. لكنهُ كان يتهددهم وقد قتل منهم كثيرين عبرة للباقين فكفت الأيدي فسكتت الناس. فلما وصل القاهرة نزل في بيت إبراهيم بك عند القصر العيني على النيل ثم عرض أمتعة البكوات المنهزمين للمزاد العمومي وفي جملتها حريمهم وأولادهم ومماليكهم فاسترحم المشايخ أن يخرج الأولاد والنساء الحوامل من معرض البيع لأن ذلك فضلًا عن أنهُ مخالف سأحرر إلى » : للحاسيات الإنسانية فهو مغضب لله. فانتهرهم القبطان باشا قائلًا فأجابهُ الشيخ السادات «. الأستانة بأنكم تعارضون في بيع أمتعة أعداء جلالة السلطان قد أَرسلتَ الينا لمعاقبة شخصين مجرمين وليس لهتك شرائعنا والطعن في » : قائلًا فعند ذلك أمر الباشا باستثناء المحظيات الحوامل «. عوائدنا فاكتب إلى الأستانة ما شئت من البيع وبعد أن بيعت سائر الأمتعة عكف حسن باشا إلى إصلاح الإدارة فأصلحها على ما يوافق الإرادة الشاهانية. وكان قد استقدم إسماعيل بك وحسن بك الجداوي من الصعيد فأرسلهما في جيش تحت قيادة عابدين باشا ودرويش باشا وهما قائدا الحملة العثمانية التى جاءَت مصر عن طريق البرّ (فضلًا عن العمارة البحرية المتقدم ذكرها) وسار في تلك الحملة أيضًا نحو من ألف مقاتل من رجال الشام تحت قيادة أمير كبير من أمراء شين أغلي فاجتمعت هذه الحملة وسارت نحو الصعيد لمحاربة مراد بك ورجالهِ. فحصلت هناك موقعة عظيمة شفت عن عدة قتلى من الجانبين وانهزام مراد بك ورجالهِ إلى الشلالات ورجوع الجنود العثمانية ظافرة إلى القاهرة. ثم جاءَت الأوامر الشاهانية بعزل محمد باشا عن مصر وتولية عابدين باشا مكانهُ. وهنا تنتهي مأمورية حسن قبطان باشا فاستدعي إلى الأستانة بسبب الحرب مع روسيا. ولم تنج مصر مما كانت تشكو منهُ نعني بهم البكوات لأنهم كانوا لا يزالون في مصر العليا كما رأيت. والمسيحيون يشكون من معاملة حسن باشا لهم فإنهُ أخذ كل متاعهم وباعهُ على مشهد من الناس فضلًا عن الإهانة التي سامهم إياها وعلى الخصوص المعلم إبراهيم الجوهري أمين احتساب مصر، فإنهم قبضوا على امرأَتهِ وأجبروها أن تخبرهم بمخابئ زوجها من النقود فأخبرتهم فاستخرجوها وأخذوها. وعندما بارح حسن باشا القاهرة أقام عليها إسماعيل بك شيخ البلد وهذا عهد إلى صديقهِ القديم حسن بك الجداوي إمارة الحج واتفقا معًا على اقتسام الإيراد.

No comments:

Post a Comment